تتموقع الحدود المعاصرة في بؤرة التقاء ما هو وطني وعبر-الوطني. انطلاقاً من سنة 1910، سنتتبع الجزائر
وتونس وليبيا في مفاوضاتها حول الحدود الاستعمارية وردود أفعالها تجاه الضغوطات عبر-الحدودية، إضافة إلى
كيفية تعاطي هذه الدول مع المد القومي العربي وما تخلل ذلك من صعوبات. والمرة تلو الأخرى، نجد أن الدول
المغاربية تتمسك بسيادتها وتعتبر حماية حدودها من الانتهاك مسألة مقدسة.
ابدأ هنا
الجزائر وتونس وليبيا:
تاريخ حدودي مشترك
1910
1920
1930
1940
1950
1960
1970
1980
1990
2000
2010
2020
استعمل اسهم اليمين واليسار للتصفح
1910
تصور استعماري للحدود، ثم ثورة قبلية
ترسمت الحدود التونسية مع ليبيا عقب اتفاق بين فرنسا وحكام ليبيا العثمانيين، الأمر الذي يؤدى إلى تقسيم أهالي قبائل ورغمة، وهي اتحاد قبلي ينتشر على جانبي الحدود الموضوعة حديثاً، ما ينجم عنه ثورة في السنة التالية ولكنها سرعان ما تنخمد.
صورة محمد الناصر بن محمد، باي تونس 1906-1922، 21 يوليو
1912. «لو بوتي جورنال»
1958
مؤتمر طنجة: حركة تضامنية قومية
مع انحسار النفوذ الاستعماري، تأخذ القوى السياسية في المنطقة زمام مصائرها بين أيديها. وقد كانت الدعوات إلى الوحدة على الدوام جزءاً من الرواية ما-بعد-الاستعمارية في العالم العربي، وكذلك الشأن في بلاد المغرب الكبير.
ومن هنا يأتي اجتماع جبهة التحرير الوطنية الجزائرية وحزب الاستقلال المغربي والحزب الحر الدستوري الجديد في طنجة واتفاقهم على إقامة اتحاد فيدرالي فور استقلال الجزائر، هم الذين كان يجمع بينهم قاسم مشترك تاريخي، ألا وهو الاستعمار الفرنسي.
مظاهرة ضد الوجود الفرنسي ينظمها الحزب الحر الدستوري الجديد في تونس
العاصمة سنة 1958. «كيستون-فرنسا»/«ماغنوم فوتوز»
1962
الجزائر تحقق استقلالها، فتبدأ المنطقة المغاربية في الانقسام
تنجح الجزائر في تحقيق استقلالها ولكن – على عكس المتوقع – لا يفتح ذلك الطريق أمام وحدة الصف في المنطقة المغاربية. بل سيعقب ذلك علاقة ندية طويلة مع المغرب، وهي العلاقة التي سوف تشكل إلى حد بعيد طبيعة الديناميات الجيو-سياسية في المنطقة. وهكذا بعد الإستعمار صارت الأيديولوجيات الوطنية الفردية تطغى على فكرة التضامن، واضعةً بذلك مسألة الحدود في صلب الحسابات السياسية الإقليمية في المنطقة المغاربية.
شباب جزائريون يحتفلون باستقلال بلادهم، 5 يوليو 1962. مارك ريبو/«ماغنوم
فوتوز»
1964
الحدود الاستعمارية جاءت لتبقى
الخلاف بين الجزائر والمغرب ينذر باضطرابات في الدول المستقلة حديثاً والتي قام مستعمروها برسم حدودها. ومن أجل تفادي حدوث مواجهة مشابهة، تتفق دول من غرب آسيا وشمال إفريقيا على الاحتفاظ بحدودها الاستعمارية خلال قمة لمنظمة الوحدة الإفريقية في القاهرة.
"...تتعهد جميع الدول
الأعضاء بالعمل على احترام
الحدود القائمة عند استقلالها
الوطني."
– الفقرة 3، المادة الثالثة، ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، 1963
1965
حقبة بومدين: سياسة فرض الوجود الجزائرية تسبب توترات إقليمية
لم تكد تمر ثلاث سنوات على تولي أحمد بن بلة رئاسة الجزائر فإذا بوزير الدفاع آنذاك هواري بومدين يطيح به. وعلى عكس سلفه، تخالج بومدين الريبة تجاه فكرة الاندماج الإقليمي، كما تساهم سياساته في تأجيج العداوة بين الجزائر والمغرب. وعندما كانت باقي دول المنطقة المغاربية مضطرة إلى الاصطفاف إلى هذا الجانب أو ذاك، تُثير تونس حنق الجزائر بدعمها للمغرب.
الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين، 1972.«سينترال بريس»/
«غيتي إيميجز»
1974
إلى أين تتجه الحدود الوطنية؟ محاولة فاشلة للتوحيد
يبادر معمر القذافي، زعيم ليبيا منذ 1969، بحمل شعلة الوحدة العربية سعياً لاستغلال قوتها الأيديولوجية لتوسيع رقعة نفوذه. توقع ليبيا وتونس على اتفاق وحدة لإقامة الجمهورية العربية الإسلامية، إلا أن ترتيبات التأسيس سرعان ما تنهار بسبب تعارض الأيديولوجيات واختلاف الأهداف. ففي حين يسعى بورقيبة لجني المنافع الاقتصادية من هذه الوحدة، يعتبرها القذافي من جهته قناة لنشر سياساته الثورية. نتيجة لذلك، وعقب انسحاب تونس من الاتفاق، يقطع القذافي كل علاقاته مع تونس بطرد العمال التونسيين من البلاد وغلق الحدود – مستعملاً هذه الأخيرة كأداة للسياسة الخارجية من أجل الضغط على الدول المجاورة أو زعزعة استقرارها.
العلم المقترح للجمهورية العربية الإسلامية. «ويكيميديا كومنز»
1980
حادثة قفصة: قدرة الحدود على
زعزعة الاستقرار
بعد اتحاد ليبيا والجزائر في محاولة لتقويض حكم بورقيبة، تكتشف تونس وهي في موقف ضعف مدى قدرة الخصوم على استغلال الحدود السهلة الاختراق لإشعال الاضطرابات السياسية. تتعاون ليبيا والجزائر على تهريب مجموعة من التونسيين المنفيين من ليبيا عبر الجزائر إلى الحدود الجنوبية التونسية، وعند وصول هؤلاء إلى وجهتهم الأخيرة يقدمون على إشعال حركة تمرد مسلحة تلوذ بالفشل في قفصة.
الأفراد المتهمون بالمشاركة في تمرد قفصة أثناء المحاكمة، 28 مارس 1980.
«الأمل»
1983
الإخوة والوفاق: تصالح الجزائر وتونس
الجزائر وتونس تُبرمان معاهدة ثنائية لتعزيز منطقة الحدود المشتركة بينهما، وهي الاتفاقية الأولى من نوعها التي تشدد على أهمية الحدود كقضية مشتركة بين الدول المتجاورة. ومن هنا فصاعداً يمكن القول بأن العلاقات التي تجمع بين الجزائر وتونس هي الأكثر تعاوناً في المنطقة المغاربية.
وقد حدث هذا التغيير السياسي بعد تولي الشاذلي بن جديد رئاسة الجزائر سنة 1979، وهي الفترة التي بدأ معها تحسن العلاقات بين الجزائر وجيرانها.
الشاذلي بن جديد، 1983. جويل روبن/«غيتي إيميجز»
1988
ثورة القذافي لا تعترف بالحدود
القذافي في الجارة الليبية يُعبر عن امتعاضه المتزايد من أحوال الحدود. وفي خطاب يلقيه على أتباعه، يفصح الزعيم الليبي عن رأيه بأن الحدود فاقدة للشرعية، مشجعاً بذلك التجارة غير النظامية بين المجتمعات التي تعيش على أطرافها.
"لما جاء الاستعمار الغربي
وطلع يعطينا استقلالنا...
أعطانا استقلال مزيف،
سلمنا للعملاء، سلمنا لنواب
الاستعمار وقال لهم اعملوا
جوازات سفر، اعملوا الحدود،
وتقاتلوا علشان الحدود".
خطاب معمر القذافي، 8 فبراير 1988، سبها، ليبيا. «يوتيوب»
1989
اتفاق على افتراق: حلم تحقيق اتحاد مغاربي وفتح الحدود
بالرغم من تحذيرات القذافي، فإن زخم التعاون الإقليمي يسير في ارتفاع نتيجة انهيار أسعار النفط ونهاية الحرب الباردة. وفي هذه الأثناء تقوم الجزائر وليبيا وتونس، إضافة إلى موريتانيا والمغرب، مستفيدين من تحسن العلاقات الثنائية بين بعضهم البعض، بتأسيس اتحاد المغرب العربي. وهكذا تعود ليبيا وتونس لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية وفتح حدودهما المشتركة، متوِّجين بذلك مساعي زين العابدين بن علي لتحسين العلاقات مع القذافي.
طابع بريدي يخلد الذكرى الأولى لتأسيس اتحاد المغرب العربي، 1988.
2011
الثورات والحدود المضطربة
يأتي سقوط بن علي والقذافي وما أعقب ذلك من صراع في الداخل الليبي ليُحوِّل مسألة الحدود في المنطقة إلى موضوع قلق دولي.
إن فرار اللاجئين من بؤر العنف وحدوث طفرة في أعمال التهريب عبر الحدود وتسلل المقاتلين المسلحين كلها عوامل تشكل ضغطاً هائلاً على الدول، ما يؤدي إلى تكثيف الوجود العسكري في المناطق الحدودية.
مقاتل يشهر بندقيته في وجه ملصق ممزق للقذافي، ليبيا، 2011،
أحمد الربيعي/«غيتي إميجيز»
مصادر
ي. الزبير و هـ. أميرة-فرنانديز (محرران)، شمال
أفريقيا: السياسة، والمنطقة، وحدود التحول،
روتليدج، 2008.
د. بيشيف وك. نيكوليدز، حدود البحر الأبيض
المتوسط: الحدود والصراع والذاكرة في عالم عبر
الوطنية، مكتبة العلاقات الدولية، آي. ب. توريس،
يناير، 2010.